تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : لماذا تأخذ قياداتنا لبنان الى الفتنة؟



فـاروق
02-20-2006, 08:27 AM
طلال سلمان




تغادر بيروت إلى القاهرة لمناسبة مجلّلة بالحزن، عنوانها إحياء الذكرى السنوية الأولى لاغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، فتواكبك الأسئلة الناضحة بالقلق، يطرحها الجميع على الجميع، لأن أحداً لا يملك أجوبة قاطعة في وضوحها وقدرتها على تهدئة الهواجس الطبيعية والمستولدة والتي لها مصادرها المتناقضة وإن اتفقت جميعاً على الضرب على وتر الحساسيات الطائفية والمذهبية.
في القاهرة، ومن المطار إلى المطار يستقبلك ويودعك الخوف على لبنان واللبنانيين، والخوف مما يجري في لبنان <<ويتورط>> فيه اللبنانيون وإن اختلفت مواقفهم على العرب في مختلف أقطارهم، الأقرب فالقريب وصولاً إلى أقصى الأرض العربية.
تسمع من مسؤولين رسميين ومن قادة رأي، كتّاباً وصحافيين، ومن دبلوماسيين عرب، مصريين ومشارقة آخرين ومن بعض أقطار المغرب، فضلاً عن أصحاب الدعوة من جمعيتي رجال الأعمال المصريين اللبنانيين واللبنانيين المصريين سيلاً من الأسئلة الناضحة بالقلق ومعه الكثير من اللوم:
ماذا تفعلون ببلدكم الجميل؟ لماذا تفسدونه على أنفسكم وعلينا؟ ارحموا لبنان أيها اللبنانيون! إنكم في كل أرض نموذج للنجاح وشطارتكم لا سيما في العلاقات مضرب الأمثال، فلماذا أنتم كرماء على بلاد الآخرين ومقصرون في حق بلادكم؟
وتسمع منهم أيضاً منطقاً يقول:
ليس هكذا يكون الاقتصاص لشهيدكم وشهيدنا الكبير رفيق الحريري من المسؤولين عن جريمة اغتياله. كلنا نريد الحقيقة، والتحقيق يتواصل وله ضماناته الدولية الصارمة، ولا أحد يمكنه التلاعب بنتائجه، ولكن هذه النتائج لن تعلن غداً أو بعد غد. إنها تتطلب زمناً يحتسب بالسنوات وليس بالأسابيع أو الشهور، وبعد انتهاء التحقيق لا بد من زمن أطول وبكثير من أجل انتظام عمل المحكمة الدولية، بعد الاتفاق الصعب على صيغتها، ثم من أجل إنجاز مهمتها وصولاً إلى إصدار الأحكام بحق الجناة... فماذا تفعلون في فترة الانتظار الطويلة هذه؟! إن صورتكم، كلبنانيين، ليست في هذه الأيام مما يفرح أو يطمئن..
وتسمع من أصحاب مسؤولية سياسية كالأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى أو من شخصية ذات قيمة معنوية عالية كمحمد حسنين هيكل منطقاً تختلط فيه العاطفة بالتحليل السياسي مفاده:
إننا نتفهم مشاعر الفقد عند سعد الحريري وأسرته جميعاً، ونحن معه بغير تحفظ في أن يمضي التحقيق الدولي حتى كشف كل ما يتصل بجريمة الاغتيال البشعة التي أفقدت العرب جميعاً، وليس اللبنانيين فحسب، شخصية باهرة الحضور كرفيق الحريري.
.. ولكن ماذا تراه يريد جنبلاط حقاً؟ إنه رجل متقلب لا يثبت على رأي.. في كل شهر يفاجئنا بموقف مختلف عما قبله، بل كل أسبوع، وأحياناً يبدل رأيه في اليوم الواحد مرة أو أكثر، حتى أننا لم نعد نفهم حقيقة ما يريده! لقد ذهب بعيداً جداً، أبعد من شهادة رفيق الحريري ودلالاتها وواجب الاقتصاص من الجناة... هذا شأنه لو أن الأمر يقتصر على الإدلاء برأي أو تعليق على حدث... لكنه في الفترة الأخيرة يعتمد منطقاً عجيباً من شأنه أن يورّط اللبنانيين في حرب أو فتنة مهلكة، سوف تفاقم مشكلاتهم ولن تساعد على حلها؟!
.. وهذا الحليف الطارئ، سمير جعجع.. ماذا يريد بالضبط؟ وهل له الأهداف ذاتها التي لسعد الحريري؟! إن عقدة الانتقام من الماضي قد تضيّع الحاضر... ثم إننا لا نكاد نصدق أن سعد الحريري، ابن رفيق الحريري، يقبل شعاراً يستهدف سوريا وشعبها العربي مثل الذي رفعه جعجع والقائل إن <<البحر من أمامنا والعدو من ورائنا>>! لكأن هذا الذي احترف الحرب، قديماً، يريد من حرب يخوضها بغيره أن يحقق ما لم يستطع تحقيقه بحرب خاضها مباشرة بقواته التي كانت معروفة مصادر دعمها وإمدادها بالسلاح والتدريب!
وتسمع من جميع من تلتقي منطقاً خلاصته محددة:
إننا نقدر مشاعر الجمهور المفجوع باغتيال زعيمه الكبير. لكننا لا نقبل أن تستغل هذه المشاعر التي تدل على أصالة وعاطفة نبيلة وشعور محق بظلم ذوي القربى لاستيلاد <<مناخ حربي>> بين اللبنانيين والسوريين.
وثمة من يرفع صوته محذراً:
أنتم أدرى بأوضاعكم، وليس من حقنا أن نتخذ عليكم صفة الوعّاظ، ولكن عليكم أن تدركوا أن تعميق الخلاف بين لبنان وسوريا يتسبّب في أزمة عربية، ومن حق العرب أن يتدخلوا لرأب الصدع، دون أن يعني هذا انحيازاً إلى جانب هذا الطرف أو ذاك، أو سعيا لتبرئة أي مسؤول قد يثبت أن له علاقة بجريمة اغتيال الحريري.
على أن الحديث يأخذ منحى أكثر قسوة متى جاء ذكر المقاومة والخلاف من حولها.. يقول لك كل من تلتقيه بلهجة من يحاسبك شخصياً وكأنك المسؤول عن الجدل حول المقاومة:
لماذا تهينون تاريخكم؟! لماذا تشوّهون هذه الصفحة الناصعة في تاريخ الأمة... لقد بلغت بكم <<الشجاعة>> حد التجرؤ على الشهداء!
ثم ... من قال لكم إن هذه المقاومة التي طهّرت أرضاً عربية محتلة بدماء شهدائها هي ملك لبنان وحده؟! إنها بعض شرف العرب، كأمة، ومعهم المسلمون جميعاً.
أيعقل هذا التحول في لبنان: أن تعرّض المقاومة للمساءلة أو للتحجيم بينما تهتف الجماهير، جماهير العروبة، لبعض المدموغين بالتعامل مع العدو الإسرائيلي؟!
ثم، ما المصلحة في طرح كل المسائل الخلافية في الشارع، ووسط هياج اللحظة العاطفية، بما يفتح الباب واسعاً أمام التدخلات الأجنبية التي وصلت على لسان السفير الأميركي في بيروت إلى حد التهديد بقطع المساعات عن الجيش، وهي مساعدات لم تصل إلى هذه المؤسسة الوطنية التي تصرفت قيادتها بحكمة تؤكد سلامة توجهاتها الوحدوية، على حد ما قرأنا في صحف بيروت أمس.
  
تبحث عن الطمأنينة، ولو لساعات، في قاهرة المعز فلا تسمع غير صيحات التأنيب الغاضبة وغير المساءلة واللوم:
مع الأسف فإن أحداً لن يستطيع مساعدتكم إذا واصلتم الانسياق مع هذا <<الجنون>>. لكأنكم قررتم خياركم بالذهاب إلى الحرب الأهلية. إنكم تضيّعون رصيد لبنان العظيم لدى العرب، وبعض الفضل فيه للمقاومة، ثم إنكم تفتحونه للمخاطر فنضطر، نحن عشاق لبنان، إلى الابتعاد عنه، كسياح وكمستثمرين وحتى كساعين بالخير وأصحاب مساع حميدة!
يقول دبلوماسي عربي عريق في معالجة الأزمات ويدعي أنه يعرف اللبنانيين جيداً:
لن ينفع معكم النصح. لقد رفضتم المبادرات العربية التي لم تكن تهدف إلا إلى ما فيه خيركم. صوّرتم المبادرات وكأنها مؤامرات على التحقيق تستهدف هدر دماء رفيق الحريري ورفاقه وتبرئة النظام السوري. وهذا غير صحيح، فلا المبادرات ستؤثر على التحقيق، بل هي قد تدفعه قدماً، ولا هي ستنصر فريقاً في الداخل على فريق آخر.
ويختم هذا <<الحكيم>> كلامه بنصيحة أخوية:
إن الجرح اللبناني بحاجة إلى عناية فائقة وليس إلى حفلات تهييج سرعان ما سوف تتخذ سياقاً طائفياً ومذهبياً مدمراً.
  
بالمصادفة البحتة التقينا والمناضل عزمي بشارة إلى مائدة غداء ضمت نخبة من أهل الكتابة، أدباء وصحافيين وفنانين من أهل الرصانة... وصار للحديث جرحان مفتوحان: لبنان وفلسطين!
بالمقارنة تبدى موضوع لبنان أصعب وأكثر تعقيداً، ربما لأنك في فلسطين لا يمكن أن تتجاهل أو تخفف من الدور التخريبي للعدو الإسرائيلي...
وانتهى النقاش إلى خلاصة مفادها: في فلسطين يجتهد الأفرقاء السياسيون لمحاولة حصر خلافاتهم تمهيداً لإقامة سلطة تمثل الجميع، أو الأكثرية المطلقة منهم.. وفي لبنان يتعمّد بعض القادة نسف قواعد أي اتفاق كان قائماً أو أي احتمال للاتفاق غداً بتأجيج الخلافات (أو افتعالها، أحياناً) مع وعيهم بخطورة الانقسام... لكأن الانقسام بذاته صار هو الاستثمار.
  
في رحلة العودة، رحت أستعيد بقلق الأسئلة المتلاحقة التي استقبلني بها محمد حسنين هيكل، في بيته الريفي ببرقاش، ومن حوله عشرات الكتب:
هل لبنان مستعد لدفع ثمن مطالب القوى العظمى التي تريد تغيير الخريطة في المنطقة؟ وهل من مصلحة العرب تحديداً، استعداء إيران في هذه اللحظة السياسية الفاصلة؟! ومن قال إن إيران ضعيفة بحيث يجوز الرهان على إسقاطها، إذا افترضنا أن ذلك ممكن.. وهو غير وارد!
لم يعطني فرصة لمحاولة ابتداع جواب، بل هو أكمل تساؤلاته المثيرة:
لست من المعجبين، كما يعرف الجميع، بالنظام السوري، مع التنويه بأن الراحل حافظ الأسد وهو ابن تجربة مختلفة كان بارعاً جداً في قراءة التحولات السياسية وتجنب الصدام مع الأقوى، ومحاولة الإفادة من موقع سوريا وغياب غيرها، ومصر بالذات، في اللحظات الحاسمة... لكن اللغة المستخدمة في الحرب التي تشن ضد النظام السوري، الآن، على لسان بعض القوى السياسية في لبنان، سوف تخدمه، إذ أن الهجوم تجاوزه ليصيب سوريا كلها، بشعبها وجيشها ومقوماتها كدولة.. وبالتالي فإن الرد سيتخذ الطابع الوطني الجامع: الدفاع عن سوريا، في وجه حملة تمهّد لعدوان خارجي! خصوصاً أن بعض قيادات هذه الحملة، وجنبلاط على وجه التحديد، قد دعا القوات الأميركية إلى احتلال سوريا!! وهذا أمر مرفوض في كل حين... فكيف وهذه الدعوة تطلق في لحظة الهياج الإسلامي الراهن ضد الإهانات للعرب التي يتسبّب بها الغرب بقيادته الأميركية، والتي تتجاوز موضوع الرسوم الدنماركية إلى واقع الاحتلال الأميركي المباشر لبلد عربي هو العراق، فضلاً عن الضغوط التي تمارس على شعب فلسطين لشطب ممارسته الديموقراطية والتي أضافت إلى مقاومته سلاحاً فعالاً جديداً!
وختم هيكل بأن قال: إنكم إن أكملتم طريقكم ستذهبون إلى حرب لن يساعدكم فيها أحد! إنها حربكم على أنفسكم!
وكان عليّ أن أستعيد أيضاً بعض كلمات الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى وقد غلّب إشفاقه على لبنان واللبنانيين على مرارة الحملة الظالمة التي شُنّت عليه:
لم أعد أفهم ماذا تريد هذه القيادات السياسية في لبنان؟! هل هي تعي أن إطلاق مثل هذا الهياج الجماهيري بالشعارات الثأرية، في جو الانقسام الأهلي، ينذر بفتنة لا تؤدي بأي حال إلى التغيير نحو الأفضل؟
يهدأ قليلاً قبل أن يستدرك قائلاً:
لننس ما أصابني شخصياً من مسّ بدوري وكرامة الموقع الذي أتشرف بأن أشغله، فضلاً عن كرامتي الشخصية... ولكن ماذا تراني اقترفت من جرم؟! إن أبسط واجباتي القومية (والمهنية) تفرض عليّ التحرك لاستطلاع الموقف تمهيداً لتحديد ما يمكن عمله، إن كان يمكن أن أقوم بدور... وهذا للمناسبة واجبي، شخصياً، تجاه صديق كبير تأثرت عظيم التأثر لفقده، هو الرئيس الشهيد رفيق الحريري. لكن هذا الشحن اليومي بنبرة الانتقام يأخذ الناس إلى خارج السياسة، خصوصاً في مجتمع توازناته دقيقة وواجبنا أن نعمل على توطيد تماسكه.
  
تغادر بيروت إلى مناسبة مجلّلة بالحزن في القاهرة هي الذكرى الأولى لتغييب الرئيس الشهيد رفيق الحريري، فتعود أكثر حزناً وأنت تواجه تداعيات الجريمة التي استولدت أهدافاً وغايات وأغراضاً تتجاوز الشعور بالفقد لتستحضر الخوف على لبنان في حاضره ومستقبله.
اليوم، أكثر من نفتقد هو رفيق الحريري.

من هناك
02-20-2006, 02:55 PM
شو انت مع مين
؟

معانا ولا مع التانيين؟