تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : رجـــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــال



Anfal
12-29-2005, 08:58 PM
.. كم نحن بحاجة ماسة إلى أن نمحو من أذهان الناس صورة الشاب الملتزم المنظّر، الذي يحسن إلقاء الوعظ ويتقن تخريج الأحاديث أثناء كلامه والعزو إلى الكتب وكأنه يقرأ من صحيفة أمام عينه.. ويكثر من الاستشهاد بأقوال أهل العلم الأموات والأحياء وكأنه من أقرانهم.. ثم.. ثم إذا وُضع على المحك وجاء دور التطبيق فشل فشلاً ذريعاً، وأخفق في ذلك الامتحان إخفاقاً مقيتاً.. وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلاَّ من رحم ربي إن ربي غفور رحيم..

وآخرون بذلوا من أموالهم وأوقاتهم وجاههم.. ما لم يبذله الآخرين.. أسأل الله تعالى أن يعطيهم أعظم ما في نعيم الجنات وأن يرضى عنهم وأن يعينني على الدعاء لهم على الأقل إذ لم أستطع أن أفعل معهم مثل ما فعلوا معي!..
وآخرين سقطت أقنعتهم عن وجوههم وظهروا عراة في صحارى الإنسانية والأُخّوة.. والمرؤات وذهبت عنتريتهم أدراج الرياح! وأصبحت كلماتهم الملتهبة هباءً منثوراً!!

تعجب من بعضهم أشد العجب! أصحاب الميكرفونات وإعلانات المحاضرات الكبيرة جداً التي تعلق على أكبر جدار وتتحدث عن مثل عليا ويخيل إليك وأنت تسمعه أنك في أزهى عصور الخلافة الإسلامية.. في عصر عمر بن عبد العزيز.. أو أن هذا كزين العابدين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في محبته لنفع المسلمين!
تراه إذا ما جئته متهللاً.. لكن لا تسأله شيئاً يعيينك على نوائب الدهر.. ولا تطلعه على بشريتك إن كنت تريد أن تظل في عينه مَلكاً.. فإنه إذا اكتشف أنك بشر.. يعتريك ما يعتري إخوتك من أبناء آدم من همٍ وكربٍ واحتياج.. أسقطك من عينيه تماماً.. ونظر إليك بازدراء شديد.. بل جلست بجوار أحدهم في مجلس مرة فقام وانتقل إلى جانب المجلس الآخر بحجة هواء المكيف دون أن يستأذني وهو يعلم أني أخذت مقعدي بجواره قصدا.. ونسي محاضراته المثالية التي لبس فيها ثياب عبد الله بن المبارك.. وتكلم فيها بلسان الحسن البصري..
أحدهم وهو من كبارهم جدا.. أتعب تعباً عظيماً في الحصول عليه للاستعانة به في أمور الدعوة.. وإن وجدته نظر إليَّ شزراً كأنني من عبيده .. ولا أخرج منه بفائدة تنفع الناس إلاَّ بعد أن تخرج روحي! .
وجاء قدر الله برجل من أكابر أهل الدنيا.. رجل آتاه الله بسطة في الجاه والمال.... فعرّفته بصاحبي ذلك.. فتشبثت به وتركني!! فكنت إذا اتصلت به من هاتفي الجوال لم يجب! وإذا اتصل به هذا الرجل بعدي بثوانٍ قليلةٍ أجاب بكل فخر! والذريعة طبعاً هي المصلحة "الدعوة ونصرة الإسلام والمسلمين"!! .
أعلم أن منكم من سيطيل لسانه ويتهمني بالتشاؤم ويتفلسف.. وينسى قول العرب: ليست النائحة الثكلى كالمستأجرة ..

لا يعرف الشوق إلاَّ من يكابده *** ولا الصبابة إلاَّ من يعانيها!
لا يسير الليل إلاَّ من به ألم *** ما تحرقُ النارُ إلاَّ رجل واطيها!