تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : المد الشيعي في الأردن ..حقيقة أم وهم! يكتبها طارق ديلواني



سعد بن معاذ
12-13-2005, 12:09 PM
المد الشيعي في الأردن ..حقيقة أم وهم!
طارق ديلواني


إذا صحت المعلومات التي بثتها وكالة أنباء قدس برس قبل أيام وتناقلتها العديد من الصحف ووسائل الإعلام المحلية والعربية والأجنبية حول تنامي المد الشيعي في الأردن، فالأمر يحتاج إلى وقفة طويلة.

تقرير قدس برس يتحدث عن اقتراب موعد بناء أول مسجد شيعي في الأردن إلى جانب حسينية تتيح للشيعة في الأردن ممارسة شعائرهم ومعتقداتهم، وجميعهم بحسب التقرير من العراقيين المقيمين في الأردن، الذين يزيد عددهم عن ربع مليون نسمة. والمعلومات تقول إن عددا من رجال الإعمال العراقيين الشيعة تقدموا بطلب إلى وزارة الأوقاف الأردنية للموافقة على تشييد أول مسجد للشيعة في الأردن.

والمكان الذي اختير لبناء المسجد والحسينية هو ضاحية عبدون الراقية جنوب العاصمة عمان، حيث مقر السفارة الأمريكية, وأصحاب المبادرة هم رجال أعمال ومستثمرون عراقيون غصت بهم جنبات الأردن مؤخرا ..لكن حتى اللحظة ليس هناك ما يشير إلى موافقة أردنية رسمية لبدء المباشرة في البناء على قطعة يقال إن قيمتها تجاوزت 3 ملايين دولار.

* مؤشرات ودلالات!

لسنوات قليلة مضت لم يكن أغلب الأردنيين —يشكل السنة حوالي 97% إلى جانب المسيحيين والدروز-, يعرفون شيئا عن المعتقدات الدينية للشيعة حتى بدأت موجة نزوح من الحدود الشرقية مع العراق، وأصبح العراقيون جزءا من التركيبة السكانية الطائفية والاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية لهذا البلد.

وأمام ملايين الدولارات التي ضخها المستثمرون العراقيون في الأردن أكثر المتضررين من الحرب في العراق، لم تجد السياسة الرسمية الأردنية بدا من منح التسهيلات للعراقيين لقاء مساهمة رجال الإعمال العراقيين وأغلبهم من الشيعة في إنعاش الاقتصاد الأردني.

وما عزز فرضية الحديث عن مد شيعي في الأردن، التقارب الكبير بين الأردن والحكومات العراقية المؤقتة "حكومة الجعفري وحكومة علاوي من قبلها"، نظرا لطبيعة الدور الإقليمي للأردن في المنطقة عموما وفي العراق تحديدا.

وبالنظر إلى أن أغلب العراقيين المقيمين في الأردن هم من الطائفة الشيعية، فلنا أن ندرك حجم تأثير هذه الطائفة ومعتقداتها على المجتمع الأردني السني من خلال سطوة رأس المال، حيث تشير بعض المصادر إلى أن العدد الأكبر من المستثمرين العراقيين الذين حصلوا على الجنسية الأردنية خلال الفترة الماضية، هم من العراقيين الشيعة.

قد تبدو رواية التمدد الشيعي في الأردن مقبولة للبعض على أساس تراجع خطاب التيارات الإسلامية السنية وتقليص دورها خاصة جماعة الإخوان وجماعة التبليغ, في حين أن ارتباط اسم الجماعة السلفية بـ"العنف" أثر كثيرا في قبولها والتعاطف معها في الشارع الأردني.

وفق هذه الرؤية السطحية يروج البعض لتغلغل ثقافة "التشيع" في الأردن ويعززها آخرون بحجم الشعبية والحضور الذي يحظى به حزب الله اللبناني وزعيمه حسن نصر الله في الأردن، خاصة بعد تحرير الجنوب وبسبب الانحياز الايجابي الواضح للحزب وزعيمه سياسيا وإعلاميا مع القضية الفلسطينية.

وفي مقابل هذه التسويغات والمبررات للتسليم بفرضية التمدد الشيعي في الأردن السني، ثمة من يتحدث عن تراخ وتساهل أردني رسمي في هذا الاتجاه أو ربما عن قصد في إطار اللافتة العريضة التي يرفعها الأردن -الخارج للتو من أتون الحرب ضد العنف— حول الوسطية والاعتدال ومحاربة الكراهية والطائفية وإبراز وجه الإسلام السمح والحقيقي.

أصحاب هذا الطرح يتحدثون عن تقارب دبلوماسي حديث مع إيران خاصة بعد الزيارة التاريخية للعاهل الأردنية لطهران قبل نحو عام، والتي أثمرت فيما يبدو عن خطوات ترجمت إلى خطاب يشجع على تقبل المذهب الشيعي باعتباره واحدا من المذاهب الإسلامية.

وهذا واضح تماما من خلال إنشاء مؤسسات تحمل هذا النفس كمؤسسة آل البيت للبحوث والدراسات الإسلامية وتدريس المذهب الجعفري والإمامي الاثنى عشري في كلية الشريعة بجامعة آل البيت، إضافة إلى تقديم التسهيلات وتخفيف التضييقات التي كانت مفروضة سابقا على زوار مقامات الصحابة من آل البيت في الأردن.

فخلال السنوات الماضية تم تشييد مسجد كبير عند قبر الصحابي جعفر بن أبى طالب بتمويل من الحكومة الإيرانية، فيما شهدت السياحة الدينية الشيعية إلى الأردن ازدهارا ملحوظا، وأصبحت مشاهد اللطم والنواح والدماء أمرا مألوفا بعد أن كانت مظاهر محظورة.

* المتشيعون الأردنيون!

ورغم تناقض هذا كله مع الخطاب الذي تبناه العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني -الذي ينظر إليه الشيعة في العراق وإيران وغيرهما بكثير من الاحترام والتقدير باعتباره من نسل آل البيت- والذي حذر فيه من هلال شيعي في المنطقة، إلا أن ثمة من يصر على وجود طائفة شيعية بالفعل من الأردنيين، خاصة في الشمال حيث تقطن بعض العائلات الأردنية المتشيعة في مدينتي اربد والرمثا القريبتان من الحدود السورية. وفي جنوب الأردن أيضا، حيث تتمركز الكثير من المقامات والمراقد والقبور والعتبات التي تعتبر مقدسة عند الشيعة في مؤتة وجبل التحكيم وغيرهما من المناطق، يدور الحديث عن تشيع منظم للكثير من العائلات الأردنية ومن عشائر مهمة ومعروفة.

بحسب شهادات الكثيرين الذين التقيتهم، فإن الخطاب الشيعي الذي يمتاز بالعاطفة الشديدة والبكائيات واستحضار تاريخ آل البيت تلقى رواجا أو تعاطفا في الشارع الأردني، الذي لا يدرك كثيرا من معتقدات الشيعة الخلافية مع السنة.

ويؤكد مطلعون وجود حالات تشيع كثيرة خاصة في الأوساط المثقفة وفي أوساط النخب من إعلاميين وسياسيين وأكاديميين ووعاظ وأئمة مساجد..الخ. والمثير أن بعض العراقيين يتحدث عن وجود الطائفة الشيعية في الأردن كحقيقة واقعة, فقبل أشهر تحدث أحمد الجلبي لقناة "الحرة" الأميركية عن وجود نحو ثلاثين ألف شيعي أردني، يعانون من "اضطهاد" مذهبي كبير، ويمنعون من ممارسة شعائرهم!

والجلبي الممتلئ صدره حقدا وضغينة على الأردن يتحدث عن شيعة أردنيين وليسوا عراقيين, لتأكيده لاحقا أن هؤلاء تشيعوا بعد عام 1991.

وفي معلومات أكثر صراحة وجرأة، يكشف تقرير لمجلة الهلال الأردنية في عددها رقم "117" أن الشيعة في الأردن أصولهم من منطقة بنت جبيل اللبنانية وأن عددهم يفوق خمسة آلاف! والتقرير يشير بكثير من الوضوح إلى توزع الطائفة الشيعية الأردنية المزعومة على عدد من القرى والمناطق في مدينة الرمثا شمال الأردن وقرى مثل الطرة وكفر اسد ودير ابي سعيد.

قد يجد هذا "التشيع" صدى واسعا على الصعيدين الرسمي والشعبي، وقد يجد ما هو خلاف ذلك، فلا دلائل ملموسة حتى اللحظة على مد شيعي حقيقي باستثناء حالات تشيع فردية محدودة. لكن العارفين بطبيعة وتركيبة المجتمع الأردني يؤكدون استحالة انتشار المذهب الشيعي بسبب ما يحتويه من معتقدات "تختلف" كثيرا عن المذهب السني، فهل من مكان للعمائم السوداء في الأردن الذي يعد البلد العربي الأكثر تسامحا؟!