تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : مقال شامل وعادل ومهم



فـاروق
11-11-2005, 08:49 AM
أما ان يكون الخطاب هكذا او لا يكون....يعني اننا نجد اما من يدافع عن العروبة والقومية وينسى المذابح والظلم...واما من يتخذ من الظلم ذريعة للارتماء بين احضان الصهيونية....

نعم المقال....يا جوزيف سماحة

خطاب الرئيس السوري بشار الأسد عنيف بالمقاييس كلها. ذهب إلى أقصى ما يمكن قوله في الظروف الراهنة. إنه خطاب مواجهة. يمكن اختصاره بجملة: إن سوريا، بدولتها ومصالحها وحقوقها ودورها مستهدفة بمشروع أصلي ولذلك فإن سوريا ستقاوم. الباقي تفاصيل. وسيكون مضحكاً التوقف عند المفاوضات الأخيرة حول مكان استجواب الشهود. هذا جزء يسير من قمة جبل الجليد. إنه النقطة التي جعلت الإناء يفيض.
يعلن الخطاب فشل مباحثات دارت في الأيام الأخيرة بحثاً عن تسويات. كما يعلن أن دمشق أخذت علماً بحقيقة المواقف العربية والدولية. لقد أدرك الأسد أن القرار 1636 سيطبّق بنسخته المتشددة دافعاً الوضع السوري كله نحو التدويل. وأدرك أن المطلوب منه ليس أقل من تقديم عنصرين حاسمين من عناصر السلطة التي يمارسها: الخطاب القومي والأداة الأمنية. ولأن النهاية، في هذه الحالة، تصبح معروفة قرّر عدم انتظار هذه النهاية. القرار الذي اتخذه هو، على الأرجح، من النوع الذي يتخذ مرة واحدة في حياة أي رئيس لأنه، أي القرار، يضع مصير الدولة والشعب على محك اختبار تاريخي.
الخطاب تعبوي وتحذيري.
إنه تعبوي في شقه الموجه إلى الداخل. عموده الفقري هو الرهان على عروبة الوطنية السورية، وعلى وجود توافق شعبي رافض للمصير الذي يتعرض إليه الفلسطينيون وللمخاطر المحدقة بالعراقيين. ينهض الخطاب على فرضية استحالة الانصياع السوري للائحة مطالب معزولة عن أي اقتراح تسووي. والواضح أن الأسد يبني حساباته على أن شعبه يتفق معه على الفكرة القائلة بأنه رغم كل ما حصل فإن لسوريا وزنها، ودورها، ومصالحها وأنها تستطيع أن تضع شروط الحد الأدنى للتجاوب والتعاون وأن ترفض إملاءات لا مقابل لها.
والخطاب تحذيري. يحذر الشعب السوري من وجود رغبة باقتياده نحو مصير عراقي. ويحذر دول المنطقة من أنها مستهدفة لاحقاً ومن أن الأزمة التي تطال سوريا اليوم ستطال الجميع غداً. لكن التحذير الأقوى موجه إلى لبنان طبعاً. إن الدعوة واضحة هنا إلى اصطفاف لبناني بين من يرى مصلحة البلد في استقرار سوريا وبين من لا يتردد في الانسياق وراء ما أسماه الأسد <<التآمر>>.
يأتي الخطاب ليكمل عناصر الأزمة المفتوحة منذ فترة وليضيفها إلى أزمات أخرى في المنطقة تبدو كلها، في المدى المنظور، غير قابلة لأي تسوية. من المرجح أن يطلق الخطاب سلسلة تفاعلات تقود نحو فرض عقوبات على سوريا وهو أمر قد لا يلقى معارضة عربية ودولية أو أنه سيلقى معارضة ضعيفة جداً.
لقد ازداد الغليان في المنطقة. يمكن العودة لاحقاً إلى تقييم الدقة في احتساب موازين القوى، وإلى حسن أو سوء قراءة التحولات الإقليمية والدولية، غير أن الواجب، حالياً، التنبه إلى أننا، جميعاً، دخلنا في منعطف جديد.
إن المعادلة المتحكّمة بالوضع اللبناني صافية جداً: ثمة مواجهة بين سوريا و<<المجتمع الدولي>>. لبنان موجود موضوعياً في صف واحد مع هذا المجتمع الدولي طالما أن القضية قضية تحقيق. ومع أن لبنان راغب، نظرياً، في ألا يكون منطلق ضغط على سوريا فإن الأمور، واقعياً، ليست في يده. سيؤدي تصاعد المواجهة بين سوريا و<<المجتمع الدولي>> (أو ما يسمى تجاوزاً
كذلك) إلى تسليط ضغوط متزايدة على لبنان ليحسم خياره. وإذا كان صحيحاً أن البنية اللبنانية غير سليمة تماماً، وهذا صحيح، فإن الضغوط المتزايدة ستؤدي في لحظة أو أخرى إلى تصدع لبناني داخلي، هذا قانون من قوانين الحياة العامة في لبنان. يمكن لكثير من الحكمة، لكثير قد لا يكون متوفراً، تأخير التصدع، ولكن ما لم تحصل انعطافات دراماتيكية فإن هذا هو المآل المحتدم عاجلاً أو آجلاً.
إلا أن التطرق الى الوضع اللبناني يستوجب ملاحظات أخرى.
ليس صحيحاً أن كل مطالب ب<<الحقيقة>> في لبنان متآمر على سوريا. ويصح ذلك حتى لو كان المطالِب نفسه يشتبه بتورط ما لسوريين في جريمة اغتيال الشهيد رفيق الحريري. بكلام أكثر دقة: هناك في لبنان من لا يمانع إطلاقاً في وضع طلب <<الحقيقة>> في خدمة مخططات استعمارية خارجية. ولكن هناك، أيضاً، من يحاول الفصل بين الأمرين ولو أنه يفعل ذلك عن سذاجة. وهناك في لبنان من يتمنى حقيقة أخرى غير <<حقيقة ميليس>> ومن يدعو، إذا لم يطابق الواقع تمنياته، إلى حصر الأضرار قدر الإمكان. لذا كان يفترض مخاطبة اللبنانيين بدقة أكثر وبحساسية أكثر. كان يمكن الامتناع عن <<مَن ليس معنا بالمطلق فهو ضدنا بالمطلق>>. ففي لبنان وطنيون وقوميون يعيشون قلقاً مضنياً وهم يبحثون عن مخارج تحفظ تعلقهم بالعدالة ومعها حرصهم على سوريا والعداء الجذري والراديكالي للهجمة الكولونيالية الأميركية المعطوفة على الاندفاعة التوسعية الإسرائيلية.
يجب أن نضيف إلى ما تقدم أن هذا <<الصنف>> (النادر؟) من اللبنانيين يلاحظ أن لبنان انتقل في فترة وجيزة قياسية من موقع <<الحليف>> الأول لسوريا إلى موقع لم يتضح بعد ويمكن له أن يتحول إلى موقع العداء والتآمر. لذا فإن السؤال الذي يتوجب طرحه هو: مَن أضاع لبنان؟ نعم المؤامرة كبيرة ولكن الذي حصل لا يفسَّر فقط باندفاعة عاطفية وإعلام متحيز. إن ما حصل أكبر من ذلك بكثير، وهو، جوهرياً، غير ذلك. ولقد سبق للرئيس الأسد نفسه أن اعترف بوجود أخطاء. ومع أن الخطاب، أمس، لم يكن مناسبة للتوسع في هذا الجانب فإن الأمانة تقتضي القول إن الخطاب، نفسه، لم يوح بأن دروس التجربة الماضية استوعبت وبأن المستقبل لن يكرر الأخطاء لأنه سيحاول الارتفاع، في الأداء، إلى مستوى الهجمة التي تتعرض إليها المنطقة.
نعم لقد اندلع نزاع حول لبنان. نعم لقد تجدد التجاذب في السنوات الأخيرة. إلا أن واجب المصارحة يقود إلى التأكيد، من موقع وطني لبناني، أي قومي عربي، أن إدارة معينة للصراع سهّلت ل<<المؤامرة>> أن تمر. على قوى أن تتحمل مسؤولية سياساتها طالما أن أخطاءها أضافت وزناً إلى القوى التي تستهدف لبنان والمنطقة. إن هذا الأمر ملح لأنه شديد الارتباط بتوفير شروط جيدة لمواجهات مقبلة. قد لا يكون ممكناً لقوى الممانعة أن تنتصر لكن الحد الأدنى هو أن تُهزم وهي مشبعة بالثقة بأنها قامت بواجباتها كلها!
لا تعني الدعوة إلى مراجعة التجربة اللبنانية السورية، في هذه الظروف، إلا الدعوة إلى تعاط مختلف مع الوضع السوري الداخلي. فالرهان على عروبة الوطنية السورية لا يكفي وحده.
بالعودة إلى لبنان في مرحلة ما بعد خطاب المواجهة يتوجب التحذير من <<الخفة غير المحتملة>> لبعض مواطنينا. إن البلد أمام مفترق. يمكن لخطأ واحد أن يدشن طريقاً لا عودة عنه نحو التوتر. لذا فإن مسؤوليات جسيمة تقع على الجميع في الحكم وخارجه.
على لبنان أن ينأى بنفسه عن أي سياسة تستهدف سوريا. ويعني ذلك، تحديداً، التمييز بين طلب <<الحقيقة>> وبين الاستخدام الذرائعي لهذا الشعار. لقد كانت المهمة شديدة الصعوبة وهي، حالياً، أصعب.
على لبنان أن يسعى إلى تخفيف منسوب التدويل الذي يتعرض إليه وتتعرض إليه علاقاته مع سوريا. والسبيل إلى ذلك البحث عن أوسع توافقات داخلية حول القضايا الحساسة والإصرار على احتضان عربي جدي وفعال.
وعلى اللبنانيين الاتفاق على الخطوط الحمر التي يمنع تجاوزها في العلاقات الداخلية والإقليمية.
ويمكن الاستطراد...
لقد كنا، ونحن اليوم أكثر، في منطقة الاضطراب الشديد. نقف عند حافة الهاوية، فهل نراها

http://www.assafir.com/iso/today/front/95.html