تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : لماذا لا يستجيب الله دعاءنا؟



بشرى
12-10-2002, 08:08 PM
قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: ( والأدعية والتعوذات بمنزلة السلاح، والسلاح بضاربه، لا بحده فقط، فمتى كان السلاح سلاحا تاما لا آفة به، والساعد ساعد قوي، والمانع مفقود، حصلت به النكاية في العدو. ومتى تخلف واحد من هذه الثلاثة تخلف التأثير) الداء والدواء ص35.

فيتبين من ذلك أن هناك أحوالا و آدابا و أحكاما يجب توفرها في الدعاء و في الداعي، و أن هناك موانع و حواجب تحجب وصول الدعاء و استجابته يجب انتفاؤها عن الداعي و عن الدعاء، فمتى تحقق ذلك تحققت الإجابة.

ومن الأسباب المعينة للداعي على تحقيق الإجابة:

1 - الإخلاص في الدعاء، وهو أهم الآداب وأعظمها وأمر الله عز و جل بالإخلاص في الدعاء فقال سبحانه: ( وادعوه مخلصين له الدين)، والإخلاص في الدعاء هو الاعتقاد الجازم بأن المدعو وهو الله عز وجل هو القادر وحده على قضاء حاجته و البعد عن مراءاة الخلق بذلك.

2 - التوبة والرجوع إلى الله تعالى، فإن المعاصي من الأسباب الرئيسة لحجب الدعاء فينبغي للداعي أن يبادر للتوبة والاستغفار قبل دعائه قال الله عز وجل على لسان نوح عليه السلام: ( فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا).

3 - التضرع و الخشوع و التذلل و الرغبة و الرهبة، و هذا هو روح الدعاء و لبه و مقصوده، قال الله عز وجل: ( ادعوا ربكم تضرعا وخيفة إنه لا يحب المعتدين).

4 - الإلحاح والتكرار وعدم الضجر والملل: ويحصل الإلحاح بتكرار الدعاء مرتين أو ثلاث و الاقتصار على الثلاث أفضل اتباعا لسنة النبي صلى الله عليه وسلم فقد روى ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعجبه أن يدعو ثلاثا ويستغفر ثلاثا. رواه أبو داود والنسائي.

5 - الدعاء حال الرخاء والإكثار منه في وقت اليسر و السعة، قال النبي صلى الله عليه و سلم: ( تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة) رواه أحمد.

6 - التوسل إلى الله بأسمائه الحسنى و صفاته العليا في أول الدعاء أو آخره، قال تعالى: ( و لله الأسماء الحسنى فادعوه بها).

7 - اختيار جوامع الكلم و أحسن الدعاء و أجمعه و أبينه، و خير الدعاء دعاء النبي صلى الله عليه و سلم، و يجوز الدعاء بغيره مما يخص الإنسان به نفسه من حاجات.

ومن الآداب كذلك وليست واجبة: استقبال القبلة والدعاء على حال طهارة وافتتاح الدعاء بالثناء على الله عز وجل وحمده والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ويشرع رفع اليدين حال الدعاء.

ومن الأمور المعينة على إجابة الدعاء تحري الأوقات والأماكن الفاضلة.
فمن الأوقات الفاضلة: وقت السحر وهو ما قبل الفجر، ومنها الثلث الآخر من الليل، ومنها آخر ساعة من يوم الجمعة، ومنها وقت نزول المطر، ومنها بين الأذان والإقامة.

ومن الأماكن الفاضلة: المساجد عموما، والمسجد الحرام خصوصا.
ومن الأحوال التي يستجاب فيها الدعاء: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الصائم، ودعوة المضطر، ودعاء المسلم لأخيه بظهر الغيب.

أما موانع إجابة الدعاء فمنها:
1- أن يكون الدعاء ضعيفا في نفسه، لما فيه من الاعتداء أو سوء الأدب مع الله عز و جل، والاعتداء هو سؤال الله عز وجل ما لا يجوز سؤاله كأن يدعو الإنسان أن يخلده في الدنيا أو أن يدعو بإثم أو محرم أو الدعاء على النفس بالموت ونحوه. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: ( لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم) رواه مسلم.

2 - أن يكون الداعي ضعيفا في نفسه، لضعف قلبه في إقباله على الله تعالى. أما سوء الأدب مع الله تعالى فمثاله رفع الصوت في الدعاء أو دعاء الله عز وجل دعاء المستغني المنصرف عنه أو التكلف في اللفظ والانشغال به عن المعنى، أو تكلف البكاء و الصياح دون وجوده و المبالغة في ذلك.

3 - أن يكون المانع من حصول الإجابة: الوقوع في شيء من محارم الله مثل المال الحرام مأكلا ومشربا وملبسا ومسكنا ومركبا ودخل الوظائف المحرمة، ومثل رين المعاصي على القلوب، والبدعة في الدين واستيلاء الغفلة على القلب.

4 - أكل المال الحرام، وهو من أكبر موانع استجابة الدعاء، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يا أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، و إن الله أمر المتقين بما أمر به المرسلين فقال: ( يا أيها الرسل كلوا من الطيبات و اعملوا صالحا إني بما تعملون عليم) وقال: ( يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم) ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك !! ) رواه مسلم. فتوفر في الرجل الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم بعض الأمور المعينة على الإجابة من كونه مسافرا مفتقرا إلى الله عز وجل لكن حجبت الاستجابة بسبب أكله للمال الحرام، نسأل الله السلامة و العافية.

5 - استعجال الإجابة والاستحسار بترك الدعاء، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: ( يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول دعوت فلم يستجب لي) رواه البخاري ومسلم.

6 - تعليق الدعاء، مثل أن يقول اللهم اغفر لي إن شئت، بل على الداعي أن يعزم في دعائه ويجد ويجتهد ويلح في دعائه قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا يقولن أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت اللهم ارحمني إن شئت، ليعزم المسألة فإنه لا مستكره له) رواه البخاري ومسلم.
ولا يلزم لحصول الاستجابة أن يأتي الداعي بكل هذه الآداب وأن تنتفي عنه كل هذه الموانع فهذا أمر عز حصوله، ولكن أن يجتهد الإنسان وسعه في الإتيان بها.

ومن الأمور المهمة أن يعلم العبد أن الاستجابة للدعاء تكون على أنواع: فإما أن يستجيب له الله عز وجل فيحقق مرغوبه من الدعاء، أو أن يدفع عنه به شرا، أو أن ييسر له ما هو خير منه، أو أن يدخره له عنده يوم القيامة حيث يكون العبد إليه أحوج. والله تعالى أعلم.